قضيت أيامي متجنباً محادثته … فكيف أساير من لا أتقبل صفاته المَقيتة وكل ما ورد إلى مسمعي من نعوتٍ تسيءُ أخلاقه وأفعاله… وبعد سنين وبعدما ثبتت تلك الصورة السوداوية في مخيلتي … شاء الله أن ألازمه مغرماً ولعدة أيام … فإذا به شخصاً غير الذي اعتقد … فقد أشرقت ملامحٌ حميدةٌ لم أتوقعها فيه … لذا ظننتُه ممن يتوارى خلف قناعه كي يحجب عني صفاته المذمومة … لكنه ظل يوماً بعد يوم يبدد تلك الشكوك … لدرجةٍ مزق فيها فكرة القناع من مخيلتي … فالأقوال تكشف ما في القلوب والمواقف تبين معادن الرجال وأفعالهم … حفزني ذلك وشجعني على تتبع ما أختزل في ذهني عنه … فإذا بأصل المشكلة … أني تبنيت وجهةَ نظرٍ فيه … على ضوء ما سمعته ممن لم يتوارى في تشويه سمعته بكل ما استطاع من أشكال التدليس … وللأسف … اني اعتقدت بها … وتعاملت وفقاً لها… إلا أني وبعد معرفتي لحقيقة الرجل الناصعة من تلك الأدران تعلمت درساً جديداً وثميناً من دروس الحياة … وهو أن انطباعاتنا عن الأشخاص تكون عادةً بناءاً على تلك الصورة التي طبعت عنه وفق نية المتحدث ومآربه … أي بعدسته … ومدى جودتها … ومدى صدقه في نقل الصفات الحقيقية لنا … ومدى حبه أو كرهه للموصوف … وحاجاته النفسية الدفينة التي دفعته للمبالغة في الذم … كالحسد أو الغَيْرة أو تصفية حسابات قديمة … فنتعامل معه طبقاً للقطة المأخوذة من تلك الزاوية القاتمة … وتصبح بالتالي علاقتنا به ضحيةً لمآرب ذلك المغتاب النمام … فتنمو فينا بوادر النفور والضغينة … إلا إذا أخذنا على عاتقنا أخذ صورة أكثر وضوحاً وباستخدام عدستنا الشخصية … بأن نتقرب منه ونتعرف عليه … نحادثه ونجالسه … وننتظر دوران دواليب الأيام كي تخبرنا فيما بعد عن معدنه … هنا قد تطول المدة لكننا سنحصل على الجودة المطلوبة كوننا قمنا بالتقاطها من الزاوية المضيئة فتنكشف لنا كل الجوانب دون زيف أو مبالغة … وفي حال تَعَذُر تقربنا أو تعرفنا … فلنكن أكثر انصافاً ولنمزق تلك الصورة المشوهة من أذهاننا ولسبب وجيه ومنطقي … وهو عدم معرفتنا بمصداقيتها … ولنجعل أهم قواعد علاقاتنا بالآخرين هي قاعدة لا قيمة لما سمعنا ما لم نرى بأم أعيننا !!!
فيديو : صورة مشوهة – من أوراق إسحاق
