إن كان الغضب جنوناً مؤقتاً، فإن قمة الغضب جنونٌ حقيقيٌ، نفقد خلاله منطق العقل، فتصدر أفعالنا كردة فعلٍ لأمرٍ سبب غضبنا، لذا كثيرةٌ هي قراراتنا الخاطئة في تلك اللحظة، وطويلةٌ هي لحظات الندم التي تعقبها، ومستمرةٌ هي حالة الملازمة بين الغضب والندم.

فحين الغضب تمحى كل الاعتبارات التي قيدتنا من قولٍ أو فعل، تلك الاعتبارات التي جعلتنا أكثر روية في هدوء ما قبل العاصفة، فتوهمنا بأننا لا نملك القوة الكافية للمواجهة أو المخاطرة، وتخوفنا من ردة فعل الآخر، وضخمنا المخاطر المترتبة عن شجاعة المواجهة.

وفي جنون الغضب تُعمى الأبصار عن المبادئ والقيم التي حُفظناها عن ظهر قلب، لتصبح هشيمةً تذروها الرياح، فيصبح الغضب سيد الموقف، ونصبح أسراه المطيعين، فلا نتذكر الصبر ومحاسنه كوننا همشنا العقل ودخلنا دوامة الجنون، ولكوننا تربينا بأسلوبٍ معتمدٍ على الأمر والنهي وسرد المثاليات، بلا إقناعٍ واقعي ولا قدوةٍ حقيقية تترجم تلك القيم إلى أفعال نشاهدها ونتعلم منها.

لذا لن تسعفنا قيمٌ لم نُمارسها، أو لم تُمارس أمامنا كي نؤمن بها، فهي أقرب للنظريات التي تحتاج للإثبات، وإثباتها الوحيد هو تطبيقها، وبالتالي التأكد من جدواها ونفعها على شخصياتنا ايجاباً، عندما نختبرها لكبح جماح هياجاننا في لحظة ثورةٍ جنونية، ولاسترجاع منطق العقل سريعاً قبل وقوع الفأس في الرأس.

والغضب من جملة الانفعالات الانسانية التي لا مفر منها وان تباينت من شخص لآخر، فهي اللحظة التي تتولد فيها قدرات لم نكن نعلمها وقوة لم نكن ندركها، كوننا خرجنا عن ضبط النفس وتحكمها إلى حالة التعبير الحر لا إرادياً أو لا شعورياً، فحين الغضب نكون أكثر انطلاقاً في حديثنا وأشجع في اتخاذ قراراتنا.

لذلك يُعتقد أن الغضب انفعال صحي شرط السيطرة عليه والتمكن منه، بل أكدت بعض الدراسات “أن الغضب من المشاعر الإيجابية ذات الحافز القوي، القادر على منح قوة الدفع للإنسان حتى يحقق ما يرغب فيه”، واتفقت دراسة من جامعة فلنسيا الأسبانية مع نظرية علم النفس “أن تفريغ المشاعر أفضل للصحة العقلية من تركها منغلقة أو مدفونة”.

لا أدعو من خلال السطور السابقة لإحياء مهرجانٍ نمارس فيه فنون الغضب وجنونه، ولكني أتمنى إن كانت لحظة الغضب حتمية وخارجة عن سيطرتنا أن ندرك الفرصة بطريقة إيجابية، فلنجعل من الغضب شحنة إصرارٍ وعزيمة، ولندرب أنفسنا على ترويض الغضب وتحويله إلى طاقةٍ نستمدها في سبيل النجاح أولاً، وفي سبيل تحدي الآخر والتفوق عليه.

أجزم بأن تلك الطاقة المستمدة من المواقف والمواجهات الغاضبة، كانت سبباً في تغيير مسار حياة الكثيرين، كيف لا ؟!، وهي لحظة استكشاف لقدراتنا المجهولة، وهي لحظة اعلان التحدي وقبوله، وهي اللحظة التي تشرق فيها أهدافنا التالية، وبشروقها ووضوحها تعلوا هممٌ قد خفقت وتصحوا نفوسٌ قد استكانت، فيدفع بنا عناد التحدي إلى حيث النور والنجاح.