“واو” الواسطة !!
خيرتني بين حروف الهجاء، فاحترتُ وفضلت التمعن والتفكير، أسماء ووجوه وأماكن كثيرة مرت أمامي في تلك اللحظة، وزادت حيرتي كلما تذكرت جديداً منها فهي الموجودة في خاطري والراسخة في ذاكرتي، لذا قررت ترك الموجود والبحث عن حرف مفقود او مفتقد بالنسبة لي.
هنا لم أمكث كثيراً حتى وجدتُ ضالتي، فأنا أفتقد حرف “الواو”، وما أدراك ما ال”واو”؟!، هو ذلك المارد المسيطر على علاقاتنا بمن حولنا، فصاحب “الواو” ميسرٌ شؤونه وأموره في كل الأحوال، وهو من نحتاجه في الملمات عندما تشتد بِنَا الحاجة إلى مُخلص فوق العادة، أو إلى منقذٍ ينتشلنا قبل الغرق في دوامات التعقيدات والإجراءات.
ولا أكتمكم سراً عن فشلي طوال سنين عمري في الحصول على واوٍ ذي مكانةٍ مفيدة، فكل واوٍ أعرفه محدود الإمكانيات والعلاقات، وقليل القدرات في مواضع الإنقاذ والإسناد، فلا يملكون القوة المطلوبة لإنهاء المعاملات، ولا هم ذو شأنٍ عند أصحاب الكراسي والمناصب، فمظهرهم الخارجي يوحي لك وللوهلة الأولى بأنهم ذو مكانةٍ عظيمة، ولكن المواقف تكشف مستورهم حين يكونون صفر اليدين لدعمك في حاجتك.
لا ألومهم على ضعف إمكانياتهم “الواوية”، ولكن ألوم نفسي الأمارة بالسوء التي جعلتني حبيس إمكانيات غيري ومكانتهم، وليتني او ليتنا نعيش حياةً اعتيادية خالية من تعقيدات “الواو”، وليت شؤوننا تُيسر لكفاءتنا او استحقاقنا لها دون سلب الفرصة من أيدي غيرنا، ودون اغتصاب حقٍ هو ليس لنا.
شئنا أم أبينا هي سرقةٌ لمقدرات الوطن من حيث لا ندري، فعندما نفرط في استعمال “الواو” من أجل الحصول على وظيفة لقريب او صديق، مع وجود من هو أكفأ منه وأجدر، سيخسر الوطن من طاقاته البشرية المبدعة لان صاحب الابداع رُكن ليحل محله صاحب “الواو”.
ولأننا جميعاً نبحث بالطريقة ذاتها عن المُسرع والمُخلص، سنعيش في نفس الدوامة، وسنساهم في نزف ابداعات البلد، وسنسلب الكثير من حقوق غيرنا، ولن نستشعر المرارة إلا اذا كنا في موضع الضحية، حين يُسلب منا حقُ استحقناه وحصل عليه غير مستحقيه، حينها سنتجرع أقصى أنواع الألم النفسي.
سوف ينتابنا كرهٌ لا شعوري لهم، ولن ننسى حقنا المسلوب وان حصلنا عليه او على غيره فيما بعد، تلك الحالة يعيشها الكثيرون من أصاحب الحقوق او الابداع من الذين انتزع حقهم، والايام والسنون ليست كفيلة بإقناعهم نسيان هذا الجرح والمضي قدماً في ساحات البناء والإنتاج.
وليتنا لا نخلق طابوراً خامساً من لحمنا ودمنا، نظنه سعيداً كالباقين في هذا الوطن المعطاء، ويظل يعيش بيننا بإحساس صاحب المظلومية الذي لم يُرِد له حقه، تائهاً بين مشاعر متناقضة وفضاءات فيها الكثير من النظرات السلبية، ولن يعيد الدهر حقاً سلبه أصحاب “الواو”.
ولن نمضي بالوطن بخطوات ثابتة ومتسارعة نحو اهدافنا وطموحاتنا العظيمة، ما لم نحافظ على ثرواتنا البشرية المبدعة حين نمكنهم من تبوء ما يستحقون تبوءه، وحين نعطيهم مكانتهم الحقيقية في لبنة بناء الوطن بكل حيادية ودون تمييز.
ودامت أموركم ميسرةً دون الحاجة إلى “واو” الواسطة”
كم هو كريه ذلك الكائن ” الواوي ”
بارك الله في حبرك ونسيج كلماتك ❤️