قيل أفضل عادة ألا تكون لديك عادة، فالعادات تقيدنا بفعل معين نكرره بشكل مستمر، ولتختبر مستوى إدمانك على عادة ما، فعليك التوقف عن ممارستها، حتى تظهر لك أعراض الحاجة لها، وهي حاجاتٌ نفسية مزاجية تمثل الترمومتر الحقيقي لمستوى إدماننا عليها، أو تكون حاجات وهمية اعتقدنا ضرورتها، وبمجرد التوقف عنها تنقشع عن سماء ممارساتنا اليومية.
ففي تلك الليلة، كنت على موعد حقيقي مع اختبار مفاجئ عن مدى إدماني على استخدام “تويتر”، فبعد تواصل على مدار الساعة باستثناء ساعات النوم والراحة، إذا به يتوقف لبعض الوقت بسبب عطل فني، سبب لي حالة من الترقب وانتظار عودته، صاحب ذلك حالةٌ مزاجيةٌ سيئة لازمتني طول فترة الانتظار.
فقد أوقف هذا العطل جولتي المعتادة بين حسابات الصحف والكُتاب، فما عدتُ أقرأ الصحف الورقية في ظل وجود هذا الكم من الصحف بين يدي، وما عدت أطالع المجلات بمختلف توجهاتها، وحتى برامج التلفزيون كانت تصلني على شكل رابط أشاهدها متى شئت وأينما شئت، وكأنه ابتلع كل الوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية.
وأوقف معه أيضاً لحظة أنسٍ مع أصدقائي “التويترين”، والذين اعتدتُ على قراءة عباراتهم المبدعة أو اقتباساتهم المفيدة، أو حواراتهم الدائمة والتي قد تأخذ منحاً جدلياً مشوقاً ومفيداً في بعض الأحيان، وإما منحاً أكثر شراسة في سبيل التغلب على الرأي الآخر.
هل قلتُ أصدقائي “التويترين” ؟!، ومن أعطاني هذا الحق في اعتبارهم أصدقاء ؟!، الحقيقة أني لم انتظر تفويضاً من أحد، كي يقرر لي نوعية العلاقة التي تربطني بالأشخاص الذين ألتقيهم في مناحي الحياة، فمن ارتضيتُ متابعتهم من “التويترين” إما أصدقاء نتشارك ونتحاور وإن لم نلتقي، وإما أصدقاء خاصين استشيرهم في كثير من أموري الحياتية.
فأصدقاؤنا الخاصين هم أولئك الأشخاص الذين اعتدنا على التواصل معهم أو الالتقاء بهم بصفة دائمة، فثمة هموم مشتركة وأراء متوافقة، أو تشابهٍ في أسلوب الحوار رغم الاختلاف في بعض الآراء، والمحصلة أننا مجموعة متجانسة ومنسجمة لا يعكر صفوها اختلافات وجهات النظر، ولا يشتت شملها الأحداث المتتالية.
أما دائرة الصداقة الأوسع فهي الوعاء لكل الأقارب وزملاء العمل والمعارف، وهنا تكون اللقاءات أكثر مللاً رغم قصرها، فثمة آراء متباينة ومعارك كلامية لا نهاية لها، نعم يتحول الحوار إلى معركة يبحث فيها كل طرف عن الانتصار، لا عن استيعاب الطرف الآخر، في حالةٍ غوغائية قلما سلم منها أحد المتحاورين، إلا أولئك الساكتين إما لجهلهم عن الموضوع، أو حكمةٍ تجعلهم بمنأى عن مهاترات الحديث.
وقد جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتشكل الوعاء الأكبر للمتحاورين، من حيث العدد الهائل للمتفاعلين أو من حيث اتساع الرقعة الجغرافية للمنتمين إليها، إذاً فمن الطبيعي ارتفاع سقف التباين والاختلاف، وبالتالي استمرار المعارك بلا هوادة، في حالة من الإدمان السلبي على القذف والسب وتشويه الأشخاص والدول، فضلاً عن الاستماتة على الرأي الأوحد وغير القابل للنقاش والتحليل.
ومن وجهة نظرٍ خاصة وعن تجربةٍ شخصيةٍ متواضعة كمتابع لوسائل التواصل، أعتبر “تويتر” الأكثر جذباً للمتحاورين على مستوى الخليج العربي، فالعبارات المختصرة والردود السريعة تجعل من الحوار أكثر حماساً واستثارةً لدخول المزيد، وبما أن غالبية المتواجدين جاؤوا من بيئةٍ تفتقد للحوار الرزين، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على أسلوبهم في التعاطي مع هذا الوافد الجديد.
وفي حالة استقطابٍ واحتشادٍ لأصحاب الرأي ضد الرأي المواجه، أو دعاية مزينة لفكرٍ هدام، لذا كان وكراً للتنظيمات والجماعات المتطرفة من أجل التجنيد أو الدعم الإعلامي، وفي سبيل تعزيز تلك الكيانات وزرع أفكارها في عقول الشباب المتحمس، ليكونوا وقوداً يتم حرقها لتحقيق مآربهم الشيطانية، ما أدى لدخول الدول في هذا الصراع، إما لحماية تماسك جبهتها الداخلية من توغل تلك السموم الفكرية، أو لمواجهة الداعمين والموجهين لها، عن طريق تبيان الحقائق وفضح الدسائس.
وفي الضفة الأخرى من المسيئين لتلك الوسيلة، تقف فئة ذوي الاحتياجات الجنسية، والذين لا هم لهم إلا تلك الغريزة الحيوانية، لأسباب تتعلق بالتنشئة الخاطئة، أو المحيط الأسري والاجتماعي، والسبب الأهم في رأيي هو غياب دور الأسرة وتفكك كيانها لمشاكل لا تخفى على الجميع، فترى حساباتهم عبارة عن دعوة صريحة للرذيلة، فلم يرشدهم مرشد تربوي، أو يمنعهم مانع أخلاقي، ولم يردعهم رادع قانوني، أو يوعظهم واعظ ديني.
وهي ممارسات تجذب الكثير من المراهقين والشباب ومن يكبرهم سناً، في مراتع الوحل والنجاسة، وفي زوايا تُسوق لبيع المروءة والكرامة، وتجعل الجسد عبداً للشهوة، في طريقٍ مظلمٍ تتساقط فيه القيم والمبادئ، ولا يعلم منتهاه ومآلاته إلا الله .
ولا أقصد بكل ما وردته سابقاً كيل الاتهامات لوسيلة تواصل اجتماعي، أسأنا استخدامها بسبب خلفياتنا وجهلنا المتراكم، وانما المقصود محاكمة ذواتنا على هذا المستوى المتدني من الذوق والأخلاق، والذي دفع بالكثير منا إلى الخوض في أمورٍ معيبةٍ عرفاً وديناً، وعلينا بالمقابل وقف هذا النزيف الأخلاقي من رصيدٍ لم يبقى منه غير القشور، ومن علاقاتٍ هشةٍ بين الإخوة الذين يربطهم مصير واحد، ومصالح مشتركة.
وما “تويتر” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي إلا أدوات سخرت لنا، وقد انتجها المنتجون من أجل غاية نبيلة جداً، ولا يمكن هنا اتهام أداة الجريمة، وانما علينا توجيه أصابع الإرشاد والتوجيه والنصيحة إلى أولئك المستخدمين لتلك الأداة بشكلٍ سلبي ومسيء، وعلينا جمعياً التكاتف صفاً واحداً في مواجهة تلك السهام المتساقطة على وحدة دولنا وتماسكها، بل وسد أي ثغرة يمكن لتلك السهام المسمومة اختراق جسد الأمة وكيانها.
“ودمتم أصدقائي كما عهدتكم”
أعترف أن توتر مساحة غنية بكل مافي العالم من معرفة سواء كانت فنا أو حدثا أو أدبا أو نقاشا أو كل مايمكن أن تبحث عنه فقد جعلني أبتعد عن قراءة المجلات والجرايد اليومية لأنني أشبع شغفي بجولاتي اليومية في تويتر وبين هذا وذاك لا أنكر أننا أنشأنا لأنفسنا متحاورين جدد أو كما أسميتهم أصدقاؤنا التويتريون لأننا ربما نحادثهم ونقرأ لهم وعنهم أكثر من أصدقائنا الذين نتعايش معهم في واقع الحياة ، جميل هذا التواصل وهذا الزخم الذي يطل علينا كل يوم وربما أساء بعضنا استخدامه لأنه لم يكن يوما باحثا جادا عن الحقيقة والفضيلة بل كان يبحث عن متعة وقتية تسد فراغ وقته فقط ، لكن وبالتأكيد هناك أقلام راقية وواعية تشدك حيثما كنت واختلاف الرأي لايفسد للود قضية وفي النهاية ليس عليك أن تصدق كل ما تقرأ ولكن عليك أن تفهم ماتقرأ ، جميل قلمك أيها الكاتب وأشكر تويتر أن عرفني على كاتب يكتب برقي ومعرفة كما أنت دوما ، دمت صديقا تويتريا .