لكمة تويترية !!


تنوع الشخصيات واختلافها يثريان حياتنا كثيراً، فكل شخصية تتميز بصفات جسدية وذهنية وسلوكية خاصة بها، نابعة من الجينات الوراثية كالشكل واللون والصوت، أو مكتسبة من المحيط الاجتماعي كلباقة السلوك وأخلاق التعامل.

وروعة التنوع بين بني البشر تخلق حالة فريدة من الانسجام بين المختلفين، فكلٌ يرى نواقصه الكامنة قد عولجت عند الآخرين، أو يرى إيجابياته الواضحة قد فقدت عندهم، فحالة الانسجام تتبلور حينما نُشبع حاجاتنا المفقودة بحاجاتهم الموجودة، وبين المفقود والموجود قصة تكامل بين الشعوب منذ قديم الزمان اقتصادياً واجتماعياً أوحتى انسانياً.

ومقولة أن الإنسان اجتماعيٌ بطبعه، تثبت حاجة الانسان لأخيه الانسان، إما حاجةً مادية تخلصه من وضعٍ ما أو تعينه على قضاء أمر ما، وإما حاجة معنوية تسد نواقصه المكنونة بتبادل الأفكار واكتساب الآراء والتعرف على الثقافات، فيثري نفسه بلآلئ الآخرين، ويمدهم ما استطاع برصيده المحفوظ.

وبعيداً عن المثالية، فمجريات التاريخ الحقيقية لم توافق بشكل تام النظرية الاجتماعية، فهناك حالات تغلب فيها الأنانية والانكماش على النفس، حباً لها أو خوفاً عليها، وفي حالة الخوف تظهر مخالب الدفاع الحادة، فتكون على شكل دفاعٍ مستميت بلا إدراكٍ عقلي، أو تكون هجوماً استباقياً لكل المختلفين أو المخالفين.

وفي خضم طفرة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لا زال البعض متمسكاً بذلك السلاح المقيت والأسلوب الرخيص في هجوم مخالفيه، فلا مبررات تفسر فعلهم، ولا براهين ترجح رأيهم، فسيوفهم مسلولة بلا تعين، وقصفهم عشوائي بلا تحديد، وكأني بهم في حلبة مصارعةٍ فكرية، لكماتها سوء الألفاظ، وركلاتها دناءة الأسلوب.

ومحصلة كل جولة مجهولة للمهاجم، ففي الغالب كل رفسه ولعنه لا تحرك ساكناً في الطرف المقابل، بل أنهم يمضون في قافلتهم غير مكترثين لزوبعات الآخرين ومطبات الحاقدين، منشغلين بفكرة أرادوا ترويجها بطريقة ما، مبتكرين أساليب ووسائل تسهل مهمتهم، قابلين بهدايا الخصم المجانية بصورةِ دعايةٍ مستمرة، فهم مادة يومية عند خصومهم التقليديين، دون إدراك الأخير لفعله العكسي في صراعه الفكري.

وبرزت تلك الصراعات واضحةً في حلبة “تويتر”، كونها تستوعب أكبر عددٍ من المصارعين، وكونها تختصر اللكمات واللعنات بقليل من الكلمات، فتكثر حوارات تصفية الحسابات، وتروج تكميم الإبداع بحجة الدفاع عن الحق بمفهومهم الخاص، بينما تظل الغالبية الصامتة في صمتٍ مستثار، مستمتعين بتبادل اللكمات، منتظرين ردة فعل الآخر.

لا أجزم بأن الصامتين هم أكبر المستفيدين، ولكني أرى أن الصورة لديهم أكثر وضوحاً ممن هم في داخل الحلبة، وأجزم بأن الطرفين لا يدركان رأي الصامتين في صراعهم الدائر، وكثيراً ما ينخدع أحدهما بكثرة التهليل والتصفيق ظناً منهم بأنها علامات التأييد والنُصرة، وفي الحقيقة ما هي إلا استثارة لتقديم المزيد من متعة السب واللعن.

ومن وجهة نظرٍ خاصة، أرى أن الطرف المتهكم في حواره بتكرار والمستعين بأدواتٍ يراها فتاكة هو الخاسر الأكبر، وإن كان يدافع عن الحق، فالحق لا يحتاج لأسلوبٍ باطلٍ للدفاع عنه، وبسبب هذا الأسلوب قد يُرى الحق باطلاً، أو يُرى الباطل حقاً، فالنفوس بطبيعتها تميل لنصرة الأضعف والمغلوب على أمره، فلا تجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً بأسلوبكم الدنيء في حواراتكم الفكرية.

(اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه)

7 replies to “لكمة تويترية !!

  1. العنوان خطير وحلو والموضوع احلى يعطيك العافيه ⌣̈ الصراحه. وايد منهم اهني عسى الله يصلح بالهم

  2. تغريده صوت جميل جذاب رائق للسمع ،،، افتقدته ساحة تويتر كما أشرت أخي الفاضل،، فلم نعد نسمع سوى نباح ونهيق ، وكأن لغة الحوار وأسلوب الحديث الهادف البناء انقرض وولى…

  3. انجذبت بشدة للعنوان و عند القراءة حقا تأكدت هذا ما يحدث في ساحة تويتر نقاشات واهية بأبشع الأساليب و الألفاظ و الحقيقة أنا من الفئة الصامتة أتابع ما يحدث بالبداية لكنني بعد فترة أتملل لان الالفاظ لا تعجبني و طريقة للطرح الموضوع بعيدة جدا عن الديموقراطية و احترام الرأي الآخر و شكرا لك استاذنا دائما مبدع

  4. ادعو العزيز الكريم ان يجعل كل ماتكتبه من خير ..او توجيه لعمل الخير في ميزان حسناتك.

    شكرا جزيلا اخي الكريم اسحاق , قد اكون من هؤلاء الاشخاص” السلبيين ” وبعد قرائة هذا المقال فإنني حتما سأترك هذا الاسلوب..!!
    وقد اكون من هؤلاء الاشخاص ” الايجابيين ” ولكنني بعد قرائة هذا المقال فسأحرص دائما على تجنب من يتبع هذا الاسلوب .

    اسحاق البلوشي ,,شكرا

  5. اجمل ماقرات من مقالاتك اللغه راقيه جدا والاسلوب بروفشنل…بالفعل الكثير من الشخصيات تثير اشمئزازنا بالتحريض على الفرقه والعدوانيه والاسلوب الجارح فى الرد وذكر مساوى الاخرين مما لايتقبله الانسان فما بالك كوننا مسلمين..

    اتمنى لك التقدم والازدهار فى كل مجالات الحياه

  6. بين محطات الحياه نجد الكثير من البشر بعضهم ذو عقليه راقيه جدا متفرد في الاسلوب في الحوار في انتقاء الكلمات اسلوبه يعكس واقع انسان راقي مثقف يترك بصمه مميزة بين حنايا الاضلع فكثيرا ما يخطر على البال وان كان اللقاء به فقط لدقائق معدودة .كذلك الحال في عالم تويتر على فكره اخي الكريم رقي الاسلوب ما يحدده متعلم او جاهل كبير او صغيرلان كل انسان باخلاقه في ناس عندهم شهادات عليا وحتى ما عندهم اسلوب في الحوار والكلام وفي المقابل في ناس حتى ما مخلصين الاعداديه وناس بقمه الروعه تعشق الحوار والحديث معهم لرقي فكرهم واسلوبهم في المقابل هناك من البشر عندما تقابله للوهله الاولى حتى السلام يخرجه كأنه ثور هائج بين قطعه قماش حمراء .. تحدثه فلا ينظر اليك لا يكترث بك وبعد ذالك سرعان م يصرفك لشخص اخر ليتخلص منك فتكره نفسك والساعه التي ذهبت فيها اليه ..السؤال ؟ لماذا نحن نرسم صوره سيئه لانفسنا بقلوب الناس .. ليش م نخلي اي شخص يمر علينا يذكرنا بالخير دائما .. الحياه ابد ما تسوى ان نحن ننزل من قيمنا واخلاقنا فيها ..بالعكس البصمه الحلوه كل احد يذكرها مهما طال الزمن وممكن من وراها نحصد دعوة صادقه جدا احيانا حتى المليان يكون مليان بأشياء فاضية ..شكرا جزيلا اخي الكريم على هذا الموضوع الاكثر من رائع .دمت بود اختك ازهار الانصاري

أتشرف بتعليقاتكم ومقترحاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه:
close-alt close collapse comment ellipsis expand gallery heart lock menu next pinned previous reply search share star