في أحد أيام الشتاء الغائمة، استيقظتُ من النوم باكراً، فبعد رحلةٍ طويلةٍ خارج الدولة، ها أنا أعود لأمارس طقوسي المعتادة، أحب التريض في هذا الوقت المُبكر، ثم المرور على مطعمي الهندي المفضل، لتناول فطوري الخاص: “خبز (براتا)، وبيض مع الطماطم”، فإضافة البهارات الهندية، يجعله خاصاً جداً، بعدها أرشف كوباً من شاي (الكرك)، ثم أبدأ يومي كيفما يكون.
رجعت من هذه السفرة وأنا متلهف لأكل البراتا، فقد حُرمت منها لمدة أسبوعين، بحثت وسألت عن أي مطعم هندي هناك فلم أجد، واكتفيت بالوجبات السريعة أو مكبوس التونة سريع التحضير، فالحاجة أم الاختراع.
كما أنني فقدت الخنجر، واقصد بالخنجر:”تلك الزاوية على طرفي اللحية من الأسفل”، والتي لا يتقن عملها أو رسمها إلا حلاقونا، حين اضطررت للقيام بتجربة الحلاقة بنفسي، فكانت النتيجة أن قطعتُ رأس الخنجر؟!!.
توجهت إلى المطعم، وانا استحضر أيام الطفولة، حين كنا ننتهز أي فرصة مواتية، لأكل:”(الكيما) مع (البراتا)”، أفضل وأشهى وجبة يمكن الحصول عليها وقتئذ، وقد ارتبطنا بها أي ارتباط، كارتباطنا بالمطعم، الذي يمثل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، فالعاملون فيه يعرفونني منذ كنت طفلاً، ويذكِّرونني بذلك.
والملفت أن أغلب زبائنه من المواطنين، فالغترة والعقال حاضران بقوة، يجلس مجموعة من جيل الآباء خارج المطعم للعب الورقة وتناول وجبة العشاء، ويأتون في الصباح لتناول الفطور قبل الذهاب إلى العمل، والمتقاعدون يجدونه ملاذاً صباحياً مغرياً.
يراودني سؤالٌ محير، هل أصبحت “البراتا” جزءاً من ثقافتنا؟!!، قد يجاوبني أحدهم بالنفي:”لا وألف لا، كيف لهذه الوجبة الغريبة على مجتمعنا، وهي ليست من موروثنا الشعبي، ولم يذكرها أحد من جيل الأجداد أن تكون ثقافةً لنا؟!، فأكلاتنا الشعبية معروفة وموثقة، فلا مكان “للبراتا” الدخيلة”.
أما الواقع فهو عكس ذلك، فلو سألت أحداً من جيل الستينات والسبعينات والأجيال التالية، لأكدوا لك ارتباطهم الوثيق بالبراتا وبالثقافة الهندية ككل، وليس أكلهم فحسب، بسبب التاريخ الحديث المشترك منذ الأربعينات، عندما بدأت التجارة تزدهر معهم شيئاً فشيئاً، حتى أصبحوا اللاعب الأساسي لكل مكونات التجارة.
بل أصبح كثير منا يتكلم لغتهم، ويشاهد أفلامهم، ويعرف معتقداتهم، وهم الذين يقومون بكل ما نحتاجه من الأعمال الضرورية والأساسية، فهم الطبقة الكادحة في مجتمعنا، وانتشارهم أفقي على امتداد الوطن، لذا كان من الطبيعي أن نلتقي بهم صباح مساء.
فمجرد فكرة خلو المجتمع منهم، يسبب لنا ضغطاً نفسياً كبيراً، فلنتخيل حاجتنا اليومية لهم، حتماً سنحصل على عدد أكبر من تخميناتنا السريعة.
ومع كل هذا التواجد في محيطنا، قد نجد من لم يتعرف على ثقافتهم، ولم يتأثر بها، فثمة إشكالية حقيقية، لوجود ذلك الحاجز غير المبرر بينه وبين اطلاعه على الآخر، وهذه سلبية عند البعض، لا ولم يتصف بها عموم شعب الامارات المنفتح، والمرحب بالثقافات الأخرى.
فخير وسيلة لتعريف العالم بثقافاتنا، هو التعرف على ثقافة الآخر، ومن ثم ايجاد المداخل المناسبة للترويج عن تراثنا بشكل حضاري جذاب ومبهر، فالتلاقح الحضاري في التواصل مع الثقافات الأخرى، وبالتالي الحصول على موطئ قدم لثقافتنا عندهم.
وكم كنت أتمنى انتشار المطاعم الشعبية، كانتشار المطاعم الهندية، بشكل يليق بموروثنا، لا أن نكتفي بعرض اكلاتنا خلال المهرجانات والفعاليات فقط، بل نريد انتشارها بشكل أوسع، بحيث تكون هذه المطاعم أداة تعريف للأجيال القادمة، وأسلوب حفظٍ لتلك الأكلات المميزة من الاندثار، وطريقة ترويج وتلاقح مع الثقافات الأخرى.
(ودمتم حضاريين)
المصطلحات:
– البراتا : خبز هندي
– الكيما : أكلة هندية مكوناتها الرئيسية اللحم المفروم والبازلاء.
أحسنت اختيار الموضوع أخي الفاضل…
ارتياد مطاعم الكرك والبراته صباحا ، وخاصة وقت الخطوط الطويله أصبح أسلوب حياه…
وبالنسبة لي اليوم العادي بدون كوبين كرك صباحا ومساءا، لا يطاق !! وما أطوله!!!
وجد الكرك لدينا بيئة جاذبة، وأصبح في مجتمعنا أكثر رواجا لأسباب كثيره،،
مشرووووع ناجح فعلا،،
بالعآفية ع فؤآدكـ. ودآم نبض قلمكـ
أتوقع هذا فكل الخليج ,, لكن عالعموم البراتا والكيما من الأكلات اللذيذة . هــع ’’